أقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء، آخذا بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مصمما على أداء حقه، فقاتل حتى أمعن في الناس، وجعل لا يلقى مشركا إلا قتله، وأخذ يهد صفوف المشركين هدّا. قال الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت أي في نفسي: أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه، فسألته إياه قبله فاتاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع؟ فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فخرج وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل
ألاأقوم الدهر في الكيول «١» ... أضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، كان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا زفف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله «٢» .
ثم أمعن أبو دجانة في هدّ الصفوف، حتى خلص إلى قائدة نسوة قريش، وهو لا يدري بها. قال أبو دجانة: رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
وكانت تلك المرأة هي هند بنت عتبة. قال الزبير بن العوام رأيت أبا دجانة قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت: الله ورسوله أعلم «٣» .
وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الليوث المهتاجة، فقد اندفع إلى قلب جيش المشركين يغامر مغامرة منقطعة النظير، ينكشف عنه الأبطال كما تتطاير الأوراق أمام الرياح الهوجاء: فبالإضافة إلى مشاركته الفعالة في إبادة حاملي لواء المشركين، فعل الأفاعيل بأبطالهم الآخرين حتى صرع وهو في مقدمة المبرزين، ولكن لا كما تصرع الأبطال وجها لوجه في ميدان القتال، وإنما كما يغتال الكرام في حلك الظلام.
(١) الكيول: آخر الصفوف. يعني أنه لا يقاتل في مؤخرة الصفوف. بل يظل أبدا في المقدمة.
(٢) ابن هشام ٢/ ٦٨، ٦٩.
(٣) نفس المصدر ٢/ ٦٩.