كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا والله ما صليتها، فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب «١» .
وقد استاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين، ففي البخاري عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق: «ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس» «٢» .
وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فصلاهن جميعا. قال النووي: وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها. انتهى «٣» .
ومن هنا يؤخذ أن محاولة العبور من المشركين، والمكافحة المتواصلة من المسلمين دامت أياما، إلا أن الخندق لما كان حائلا بين الجيشين لم يجر بينهما قتال مباشر وحرب دامية، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة.
وفي هذه المراماة قتل رجال من الجيشين، يعدون على الأصابع ستة من المسلمين وعشرة من المشركين، بينما كان قتل واحد أو اثنين منهم بالسيف.
وفي هذه المراماة رمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم فقطع منه الأكحل، رماه رجل من قريش يقال له حبان العرقة، فدعا سعد: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم، حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها «٤» . وقال في آخر دعائه: ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة «٥» .
وبينما كان المسلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعركة كانت أفاعي الدس والتامر تتقلب في جحورها، تريد إيصال السم داخل أجسادهم. انطلق كبير مجرمي بني
(١) صحيح البخاري ٢/ ٥٩٠.
(٢) نفس المصدر.
(٣) مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٢٨٧، وشرح مسلم للنووي ١/ ٢٢٧.
(٤) صحيح البخاري ٣/ ٥٩١.
«٥»