ولما أتم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي الله عنه- التي قدمنا ذكرها في غزوة الأحزاب- وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته. قالت عائشة: فانفجرت من لبته فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا يأتينا من قبلكم، فإذا سعد يغذوا جرحه دما، فمات منها «١» .
وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ «٢» . وصحح الترمذي من حديث أنس: قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة كانت تحمله» «٣» .
قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين، وهو خلاد بن سويد، الذي طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة، ومات في الحصار أبو سنان بن محصن أخو عكاشة.
أما أبو لبابة، فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، ثم نزلت توبته على رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرا، وهو في بيت أم سلمة، فقامت على باب حجرتها، وقالت لي: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك، فثار الناس يطلقوه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
وقعت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة ٥ هـ، ودام الحصار خمسا وعشرين ليلة «٤» .
وأنزل الله تعالى في غزوة الأحزاب وبني قريظة آيات من سورة الأحزاب، علق فيها على أهم جزئيات الوقعة بين حال المؤمنين والمنافقين، ثم تخذيل الأحزاب، ونتائج الغدر من أهل الكتاب.
(١) صحيح البخاري ٢/ ٥٩١.
(٢) صحيح البخاري ١/ ٥٣٦، وصحيح مسلم ٢/ ٢٩٤، وجامع الترمذي ٢/ ٢٢٥.
(٣) جامع الترمذي ٢/ ٢٢٥.
(٤) ابن هشام ٢/ ٢٢٧، ٢٢٨، وانظر لتفصيل هذه الغزوة ابن هشام ٢/ ٢٣٣ إلى ٢٧٣ وصحيح البخاري ٢/ ٥٩٠، ٥٩١، زاد المعاد ٢/ ٧٢، ٧٣، ٧٤، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٨٩، ٢٩٠.