يحبنا ونحبه» وتسامع الناس بمقدمة، فخرج النساء والصبيان والولائد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة ويقلن «١» :
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في رجب وعوده في رمضان، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوما. أقام منها عشرين يوما في تبوك. والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبا.
وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.
المخلفون
وكانت هذه الغزوة- لظروفها الخاصة بها- اختبارا شديدا من الله تعالى، امتاز به المؤمنون من غيرهم. كما هو دأبه تعالى في مثل هذه المواطن، حيث يقول: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران: ١٧٩ فقد خرج لهذه الغزوة كل من كان مؤمنا صادقا، حتى صار التخلف أمارة على نفاق الرجل، فكان الرجل إذا تخلف وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «دعوه، فإن يكن فيه خير سيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه» ، فلم يتخلف إلا من حبسهم العذر، أو الذين كذبوا الله ورسوله من المنافقين، الذين قعدوا بعد أن استأذنوا للقعود كذبا، أو قعدوا ولم يستأذنوا رأسا. نعم كان هناك ثلاثة نفر من المؤمنين الصادقين تخلفوا من غير مبرر. وهم الذين أبلاهم الله، ثم تاب عليهم.
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فأما المنافقون- وهم بضعة وثمانون رجلا «٢» - فجاؤوا يعتذرون بأنواع شتى من الأعذار، وطفقوا يحلفون له، فقبل منهم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله.
وأما النفر الثلاثة من المؤمنين الصادقين- وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية- فاختاروا الصدق، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة ألايكلموا هؤلاء
(١) هذا رأي ابن القيم وقد مضى البحث عليه.
(٢) ذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار. وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار وغيرهم. وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء ذكر عدد كبير (انظر فتح الباري ٨/ ١١٩) .