الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا- وكانوا- لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعوا الإشتراء.
وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحا إلى عمته خديجة- رضي الله عنها- وقد تعرض له مرة أبو جهل فتعلق به ليمنعه فتدخل بينهما أبو البختري، ومكنه من حمل القمح إلى عمته.
وكان أبو طالب يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يأتي بعض فرشهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يخرجون في أيام الموسم، فيلقون الناس، ويدعونهم إلى الإسلام، وقد أسلفنا ما كان يأتي به أبو لهب.
نقض صحيفة الميثاق
مرت ثلاثة أعوام كاملة والأمر على ذلك، وفي المحرم «١» سنة عشر من النبوة حدث نقض الصحيفة وفك الميثاق، وذلك أن قريشا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارها لها.
وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي- وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيا بالليل بالطعام- فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- وقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم؟ فقال: ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد؟ أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، قال: قد وجدت رجلا. قال: فمن هو؟ قال: أنا قال له زهير:
ابغنا رجلا ثالثا.
فذهب إلى المطعم بن عدي، فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد
(١) الدليل على هذا أن أبا طالب مات بعد نقض الصحيفة بستة أشهر، والصحيح في موت أبي طالب أنه في شهر رجب. ومن يقول: إنه مات في رمضان فهو يقول: إنه مات بعد نقض الصحيفة بثمانية أشهر وأيام.