رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ سُئِلَ: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟
قَالَ -رضي اللَّه عنه-: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ.
فَلَمَّا فَنِيَتْ تِلْكَ التَّمَرَاتُ التِي كَانَتْ مَعَهُمْ، وَهُوَ زَادُهُمُ الْوَحِيدُ، لَجَأُوا إِلَى أَكْلِ الْخَبَطِ، فَكَانُوا يَضْرِبُونَ الْخَبَطَ بِعِصِيِّهِمْ، ثُمَّ يبْلُّونَهُ بِالْمَاءِ، فَيَأْكُلُونَهُ حَتَّى تَقَرَّحَتْ أَشْدَاقُهُمْ (١).
قَالَ جَابْرٌ -رضي اللَّه عنه-: أَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلَنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ.
وَلَمَّا رَأَى قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِالْمَدِينَةِ بِجَزُورٍ (٢) هُنَا؟
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ.
فَقَالَ الْجُهَنِيُّ: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ خُلَّةً (٣)، فَابْتَاعَ (٤) مِنه تِسعَ جَزَائِرَ، كل جَزُورٍ بِوسْقٍ (٥) مِنْ تَمْرٍ، وأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ,
(١) الأشداق: جوانب الفم. انظر النهاية (٢/ ٤٠٦).
(٢) الْجَزُورُ: البَعِيرُ ذكرًا كان أو أنثى. انظر النهاية (١/ ٢٥٨).
(٣) الْخُلَّةُ: بضم الخاء: الصَّدَاقَةُ. انظر النهاية (٢/ ٦٨).
(٤) ابْتَاعَ الشيءَ: اشترَاه. انظر لسان العرب (١/ ٥٥٧).
(٥) الْوَسْقُ: بفتح الواو وسكون السين: سِتُّونَ صَاعًا. انظر النهاية (٥/ ١٦١).