فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَدَقْتَ"، فَقَامَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَنْدَلٍ، فَأَخَذَهُ بِتَلْبِيبِهِ، وَيَجُرُّهُ لِيَرُدَّهُ إِلَى قُرَيْشٍ (١).
وَأَخَذَ أَبُو جَنْدَلٍ -رضي اللَّه عنه- يَصْرَخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ -رضي اللَّه عنه- قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا في اللَّهِ (٢).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ -رضي اللَّه عنه-: يَا مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ، أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، فَيَفْتِنُونِي في دِينِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ" (٣).
* مَوْقِفُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- مِنْ أَبِي جَنْدَلٍ -رضي اللَّه عنه-:
فَهُنَا وَثَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ -رضي اللَّه عنه- وَجَعَلَ يَمْشِي إِلَى
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٨٩١٠) وإسناده حسن.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (٥/ ٦٩٥): وفي هذا الموقف أن الاعتبار في العقود بالقولِ ولو تأخَّرت الكتابة والإشهاد، ولأجل ذلك أمضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسُهَيْل الأمر في رَدِّ ابنه إليه، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلطّف معه بقوله: "لم نقض الكتاب بعد"، رجاء أن يُجيبه لذلك ولا يُنكره بقيّة قريش لكونه ولده، فلما أصَرَّ سهيل على الامتناع تركه له.
(٢) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (٢٧٣١) (٢٧٣٢).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٨٩١٠) وإسناده حسن.