الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-، وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الحُزْنُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا خَرَجُوا مِنَ المَدِينَةِ وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ في دُخُولهِمْ مَكَّةَ، وَطَوَافِهِمْ بِالبَيْتِ لِلرُّؤْيَا التِي رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ، وَعَدَمِ العُمْرَةِ هَذَا العَامِ، دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا يَهْلَكُونَ، وَخُصُوصًا الشَّرْطُ الذِي يَقُولُ: مَنْ جَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ مُسْلِمًا يُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ.
وَكَانَ أَشَدَّ المُسْلِمِينَ اسْتِيَاءً وَحُزْنًا مِنْ هَذَا الصُّلْحِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-، فَإِنَّهُ لَمَّا الْتَأَمَ الأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الكِتَابُ، ذَهَبَ عُمَر -رضي اللَّه عنه- إِلَى الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَالَ لَهُ: أَلسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟
قَالَ: "بَلَى".
قَالَ عُمَرُ: أَلسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ (١)؟
قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَلَى"
فَقَالَ عُمَرُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ (٢) في دِينِنَا إِذًا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي" (٣)
فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَّنا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟
(١) زاد البخاري - رقم الحديث (٣١٨٢) - ومسلم - رقم الحديث (١٧٨٥) (٩٥) - في صحيحيهما: قال عُمَرُ: أليس قتلَانا في الجنَّة وقَتْلَاهم في النار؟ .
(٢) الدَّنِيَّة: بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء أي الخصلة المذمومة. انظر النهاية (٢/ ١٢٨).
(٣) في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (٣١٨٢) قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر: "يا ابن الخطاب إني رَسُول اللَّهِ، ولن يُضَيِّعَنِي اللَّه أبدًا".