وَأَمَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (١)، فَالمُرَادُ الحُدَيْبِيَةُ، وَأَمَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (٢)، وَقَوْلُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا هِجَرْةَ بَعْدَ الفَتْحِ" (٣)، فَالمُرَادُ بِهِ فتحُ مَكَّةَ بِاتِّفَاقٍ، فَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الإِشْكَالُ، وَتُجْمَعُ الأَقْوَالُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى (٤).
قُلْتُ: وَتُعَدُّ الحُدَيْبِيَةُ فَتْحًا لِلْآتِي:
١ - قَالَ ابنُ هِشَامٍ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الحُدَيْبِيَةِ في أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ، ثُمَّ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ خَرَجَ مَعَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَشَرَةُ آلَافٍ (٥).
٢ - الأَمْرُ الآخَرُ أَنَّ بِصُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ اسْتَطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَتَفَرَّغَ لِعَدُوِّهِ اللَّدُودِ يَهُودِ خَيْبَرَ، وَلَوْلَا الحُدَيْبِيَةُ لَسَاعَدَتْ قُرَيْشٌ يَهُودَ خَيْبَرَ بِالسِّلَاحِ وَالمَالِ، فَحَيَّدَ هَذَا الصُّلْحُ قُرَيْشًا عَنْ مُسَاعَدَتِهَا يَهُودَ خَيْبَرَ.
* أَحْداثٌ جَرَتْ في الطَّرِيقِ إِلَى المَدِينَةِ:
أَكْمَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَرِيقَهُ رَاجِعًا إِلَى المَدِينَةِ، وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْضُ الأَحْدَاثِ مِنْهَا:
(١) سورة الفتح آية (٢٧).
(٢) سورة النصر آية (١).
(٣) هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب فضل الجهاد والسير - رقم الحديث (٢٧٨٣) - ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها - رقم الحديث (١٣٥٣).
(٤) انظر كلام الحافظ في الفتح (٨/ ٢٠٩).
(٥) انظر سيرة ابن هشام (٣/ ٣٥١).