* فَتْحُ الشَّطرِ الثَّانِي مِنْ خَيْبَرَ (حُصُونِ الكُتَيْبَةِ):
ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الشَّطْرِ الثَّانِي وَهِيَ حُصونُ الكُتَيْبَةِ، وَهِيَ ثَلَاثَة: القَمُوصُ، وَالوَطِيحُ، وَالسُّلَالِمُ، فتَحَصَّنَ اليَهُودُ أَشَدَّ التَّحَصُّنِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ المَغَازِي هَلْ جَرَى هُنَاكَ قِتَالٌ فِي أَيِّ حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ الكُتَيْبَةِ الثَّلَاثَةِ أَمْ لَا؟
فَسِيَاقُ ابنِ إِسْحَاقَ (١) صَرِيح فِي جَرَيَانِ القِتَالِ لِفَتْحِ حِصْنِ القَمُوصِ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّ هَذَا الحِصْنَ تَمَّ فَتْحُهُ بِالقِتَالِ فَقَطْ، وَمِنْهُ سُبِيَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بنِ أَخْطَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرِيَ هُنَاكَ مُفَاوَضَات لِلِاسْتِسْلَامِ.
أَمَّا الوَاقِدِيُّ (٢)، فَيُصَرِّحُ تَمَامَ التَّصْرِبحِ أَنَّ قِلَاع هَذَا الشَّطْرِ الثَّلَاثَةِ إِنَّمَا أُخِذَتْ بَعْدَ المُفَاوَضَاتِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ المُفَاوَضَةُ قَدْ جَرَتْ لِاسْتِلَامِ حِصْنِ القَمُوصِ بَعْدَ إِدَارَةِ القِتَالِ، وَأَمَّا الحِصْنَانِ الآخَرَانِ فَقَدْ سُلِّمَا إِلَى المُسْلِمِينَ دُونَمَا قِتَالٍ.
وَمَهْمَا كَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا أتى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى حُصُونِ الكُتَيْبَةِ، فَرَضَ عَلَى أَهْلِهَا أَشَدَّ الحِصَارِ، وَدَامَ الحِصَارُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَاليَهُودُ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ
(١) انظر سيرة ابن هشام (٣/ ٣٦٥ - ٣٦٦).
(٢) انظر دلائل النبوة للبيهقي (٤/ ٢٢٥).