فَقُلْتُ لَهَا: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ فَلِّ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ. وَفَشَا (١) ذَلِكَ في مَكَّةَ، وَأَظْهَرَ المُشْرِكُونَ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَانْقَمَعَ (٢) مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ.
* مَوْقِفُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه-:
وَبَلَغَ الخَبَرُ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي اللَّه عنه-، فَعَقِرَ (٣) في مَجْلِسِهِ، وجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ، فَأَخَذَ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: قُثَمٌ، وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَاسْتَلْقَى، فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرهِ وَهُوَ يَقُولُ:
حِبِّي قُثَمْ حِبِّي قُثَمْ ... شَبِيهَ ذِي الأَنْفِ الأَشَمّ
نَبِيَّ رَبٍّ ذِي النِّعَمْ ... بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغَمْ (٤)
ثُمَّ أَرْسَلَ العَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه- غُلَامًا له إلى الحَجَّاجِ بنِ عِلَاطٍ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، مَا جِئْتَ بِهِ، وَمَاذَا تَقُولُ؟ فَمَا وَعَدَ اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا جِئْتَ بِهِ.
فَقَالَ الحَجَّاجُ بنُ عِلَاطٍ لِغُلَامِهِ: اقْرَأْ عَلَى أَبِي الفَضْلِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ:
(١) فَشَا: أي انتَشَرَ. انظر النهاية (٣/ ٤٠٣).
(٢) انقَمَعَ: أي تغَيَّبَ ودخل في بيته. انظر النهاية (٤/ ٩٥).
(٣) العَقر: أن تُسْلِمَ الرجلَ قوائِمُه من الخوف، وقيل: هو أن يفجَأه الروع فيُدهش ولا يستطيع أن يتقدَّم أو يتأخر. انظر النهاية (٣/ ٢٤٧).
(٤) قال الإِمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (٢/ ٩٦): ولم يَزَل العباس مشفقًا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، مُحِبًّا له، صابرًا على الأذى، ولم يُسْلِمْ بعدُ، بحيث إنه ليلة العَقَبَةِ عرف، وقام مع ابن أخيه في الليل، وتوثق له من السبعين.