حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي (١) ... أَرْشَدَهُ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشُدَا (٢)
ثُمَّ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ -رضي اللَّه عنه- رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ قَالَ:
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حُسْنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالذِي نُصِرُوا
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الخَيْرَ أَعْرِفُهُ ... وَاللَّه يَعْلَمُ أَنْ مَا خَانَنِي البَصَرُ
أَنْتَ الرَّسُولُ وَمَنْ يُحْرَمْ شَفَاعَتَهُ ... يَوْمَ الحِسَابِ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ القَدَرُ
فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ له: "وَأَنْتَ فَثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ"، فَثَبَّتَهُ اللَّهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا -رضي اللَّه عنه- (٣).
وَكَانَ ابنُ رَوَاحَةَ -رضي اللَّه عنه- شَاعِرًا حَادَّ العَاطِفَةِ، وَقَدْ أَحَسَّ مُنْذُ خُرُوجِهِ أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ مُقْبِل عَلَيْهِ، فَهُوَ يَتَهَيَّأُ لَهُ بِقَلْبِهِ وَلسَانِهِ (٤).
* تَوْدِيعُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الجَيْشَ وَوَصِيَّتَهُ لَهُمْ:
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُشَيِّعًا (٥) لَهُمْ حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، فَوَقَفَ وَوَدَّعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَكُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، اغْزُوا بِاسْمِ
(١) الجَدَث: القبر. انظر النهاية (١/ ٢٣٦).
(٢) أخرج ذلك الطبراني في الكبير - رقم الحديث (٤٦٥٥) - وابن إسحاق في السيرة (٤/ ٢١) - وابن سعد في طبقاته (٢/ ٣١٤).
(٣) انظر سيرة ابن هشام (٤/ ٢١) - البداية والنهاية (٤/ ٦٣٣) - دلائل النبوة للبيهقي (٤/ ٣٥٩).
(٤) انظر فقه السيرة ص ٣٦٦ للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(٥) شَيَّعه: تابعه. انظر لسان العرب (٧/ ٢٥٩).