يُطَارِدُهُ بِهَا وَلَا يَدَعَ أَحَدًا يُطَارِدُهُ. . . بَيْنَمَا نَجِدُ الإِيمَانَ الجَادَّ الحَاسِمَ الجَازِمَ، فِي شِدَّةِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، . . . فَعُمَرُ -رضي اللَّه عنه- إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى العَثْرَةِ ذَاتِهَا فَيَثُورُ لَهَا حِسُّهُ الحَاسِمُ وَإِيمَانُهُ الجَازِمُ.
أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ خِلَالِ إِدْرَاكِهِ الوَاسِعِ الشَّامِلِ لِلنَّفْسِ البَشَرِيَّةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَمِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا، مَعَ العَطْفِ الكَرِيمِ المُلْهَمِ الذِي تُنْشِئُهُ المَعْرِفَةُ الكُلِّيَّةُ. فِي مَوْقِفِ المُرَبِّي الكَرِيمِ العَطُوفِ المُتَأَنِّي النَّاظِرِ إِلَى جَمِيعِ المُلَابَسَاتِ وَالظُّرُوفِ. . . (١).
* فَوَائِدُ الحَدِيثِ:
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَفِي قِصَّةِ حَاطِبٍ -رضي اللَّه عنه- مِنَ الفَوَائِدِ:
١ - أَنَّ المُؤْمِنَ وَلَوْ بَلَغَ بِالصَّلَاحِ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ بِالجَنَّةِ لَا يُعْصَمُ مِنَ الوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ؛ لِأَنَّ حَاطِبًا -رضي اللَّه عنه- دَخَلَ فِيمَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ الجَنَّةَ، وَوَقَعَ مِنْهُ مَا وَقَعَ.
٢ - وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَفَّرَ المُسْلِمَ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ، وَعَلَى مَنْ جَزَمَ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ، وَعَلَى مَنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُعَذَّبَ.
٣ - وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْخَطَأُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ، بَلْ يَعْتَرِفَ وَيَعْتَذِرَ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ ذَنْبَيْنِ.
(١) انظر في ظلال القرآن (٦/ ٣٥٣٨).