فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ، وَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ! مَا قُلْنَا الذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ (١) بِاللَّهِ وَبِرَسُولهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-: فَوَاللَّهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بَلَغَ نَحْرَهُ بِالدُّمُوعِ (٢).
* بَيْعَةُ أَهْلِ مَكَّةَ:
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ بِمَكَّةَ لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَجَلَسَ لَهُمْ عَلَى الصَّفَا، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّاب -رضي اللَّه عنه- تَحْتَهُ، أَسْفَلَ مِنْ مَجْلِسِهِ يَأْخُذُ عَلَى النَّاسِ، فَجَاءَهُ الكِبَارُ وَالصِّغَارُ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلَامِ، وَعَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَاعُوا.
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَد بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ خَلَفٍ، قَالَ: أَنَّ أَبَاهُ الأَسْوَدَ رَأَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْفَلَةٍ (٣)، فَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى الإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ، قُلْتُ: وَمَا الشَّهَادَةُ؟
قَالَ: بَايَعَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوله (٤).
وَرَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُجَاشِعٍ بنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ قَالَ:
(١) الضِّن: بكسر الضاد: أي بخلًا به وشحًا أن يُشاركنا فيه غيرنا. انظر النهاية (٣/ ٩٥).
(٢) أخرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب فتح مكة - رقم الحديث (١٧٨٠) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٠٩٤٨) - والحاكم فِي المستدرك - كتاب البيوع - باب مكة مناخ لا يباع رباعه - رقم الحديث (٢٣٧٥).
(٣) قال السندي في شرح المسند (٨/ ٢٩٠): قَرْنِ مَسْفَلة: فِي "القاموس" في مادة السين والفاء: المسفلة: محلة بأسفل مكة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٥٤٣١).