عَنْ أَبِي الطُّفْيَلِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلًا حَيًّا رَأَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَيْرِي.
وَفِي لفظٍ قَالَ -رضي اللَّه عنه-: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَيْرِي (١).
قَالَ الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ فِي السِّيَرِ: أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ خَاتِمُ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ -رضي اللَّه عنه- صَادِقًا، عَالِمًا، شَاعِرًا، فَارِسًا، عُمِّرَ دَهْرًا طَوِيلًا، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه- حُرُوبَهُ، وَمَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةً عَشْرٍ وَمِئَةٍ (٢).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ" (٣).
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْه الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ هَذِهِ الْمُدَةَ تَخْتَرِمُ (٤) الْجِيلَ الذِي هُمْ فِيهِ، فَوَعَظَهُمْ بِقِصَرِ أَعْمَارِهِمْ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَعْمَارَهُمْ لَيْسَتْ كَأَعْمَارِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمَمِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ (٥).
(١) أخرجه البخاري فِي الأدب المفرد - رقم الحديث (٦١٠).
(٢) انظر سير أعلام النبلاء (٣/ ٤٦٧).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب العلم - باب السمر في العلم - رقم الحديث (١١٦) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تأتي مئة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم" - رقم الحديث (٢٥٣٧).
(٤) انْخِرَامُهُ: ذهابه وانقضاؤه. انظر النهاية (٢/ ٢٧).
(٥) انظر فتح الباري (١/ ٢٨٧).