ثَانِي يَوْمٍ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَهُوَ الذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثارُ مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلَوَاتِ، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إلى ذِي الْقَصَّةِ (١) لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَبَذْلِهِ النَّصِيحَةَ وَالْمَشُورَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ (٢).
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟
قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَسْتَخْلِفُ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ (٣).
وَيَظْهَرُ لَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-.
وَيَظْهَرُ لَنَا أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، لَا لِأَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، كَمَا قَدْ زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لِعَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه-، كَمَا يَقُولهُ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ، وَعَقْلٍ إلى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه- (٤).
(١) ذِي الْقَصَّةِ: بفتح القاف وفتح الصاد المشددة، موضع قريب من المدينة. انظر النهاية (٤/ ٦٤).
(٢) انظر البداية والنهاية (٥/ ٢٦٢) (٦/ ٦٩٣).
(٣) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٧/ ٢٢٣) - وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٥/ ٢٦٣) - وجود إسناده.
(٤) انظر البداية والنهاية (٥/ ٢٦٢).