فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَقَامُوا مَعَهُ، وأجَابُوهُ إِلَى ما دَعاهُمْ إِلَيْهِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ عَمِّ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ في ذَلِكَ قَصِيدَةً يَمْدَحُهُمْ، ويُحَرِّضُهُمْ عَلَى مَا وافَقُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الحَدْبِ (١) عَلَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والنُّصْرَةِ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ مِنْهَا:
إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا قُرَيْشٌ لِمَفْخَرٍ ... فَعَبْدُ مَنَافٍ سِرُّها، وصَمِيمُهَا
وَإِنْ حُصِّلَتْ أشْرافُ عَبْدِ مَنَافِهَا ... فَفِي هَاشِمٍ أشْرافُهَا، وقَدِيمُهَا
وَإِنْ فَخَرَتْ يَوْمًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا ... هُوَ المُصْطَفَى مِنْ سِرِّهَا وكَرِيمِهَا
تَداعَتْ قُرَيْشٌ غَثُّهَا وسَمِينُهَا ... عَلَيْنا فَلَمْ تَظْفَرْ، وَطَاشَ حُلُومُهَا (٢)
* مُحَاوَلَةُ الطُّغَاةِ اغْتِيَالَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
وبَعْدَ فَشَلِ مُفَاوَضَاتِ قُرَيْشٍ مَعَ أَبِي طَالِبٍ، اشْتَدَّ مَكْرُ زُعَمَائِهَا، وأجْمَعُوا عَلَى قتلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا كَانَ مَساءُ اللَّيْلَةِ التِي عَرَضُوا فِيهَا عُمارَةَ بنَ الوَليدِ عَلَى أَبِي طَالِبٍ، فُقِدَ رَسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجاءَ أَبُو طَالِبٍ وعُمُومَتُهُ إِلَى مَنْزِلهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَجَمَعَ أَبُو طَالِبٍ فِتْيانًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وبَنِي المُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَدِيدَةً صَارِمَةً، ثُمَّ لِيَتْبَعْنِي إِذَا دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ كُلُّ فَتًى مِنْكُمْ فَلْيَجْلِسْ إِلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمائِهِمْ فِيهِمْ ابنُ الحَنْظَلِيَّةِ، يَعْنِي أبا جَهْلٍ، فَإِنَّهُ
(١) الحَدْبُ: العَطْفُ. انظر النهاية (١/ ٣٣٧).
(٢) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٠٦).