عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ (١)، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، لَكِنَّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ أَصَرَّ عَلَى رَأْيِهِ.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ غَدَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَقَالَ لَهُ: أيُّهَا المَلِكُ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ إِلَيْهِمْ. قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ، إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ .
قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى النَّجَاشِيِّ، قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟
فَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه-: نَقُولُ فِيهِ الذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا -صلى اللَّه عليه وسلم-، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، ورُوحُهُ، وكَلِمَتُهُ (٢) ألقاهَا إِلَى مَرْيَمَ العَذْرَاءَ البَتُولِ (٣).
فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ الأرْضَ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العُودَ (٤).
(١) خَضْرَاءُهُمْ: أي دَهْمَاؤُهُم وسَوَادُهُم ومُعْظمُهُم. انظر النهاية (٢/ ٤٠).
(٢) قال الإِمام السهيلي في الرَّوْض الأُنُف (٢/ ١١٣): ومعنى كلمتِهِ: أي قال له، كما قال لِآدمَ حينَ خلقهُ من تُرابٍ: كُنْ فَيَكُونُ.
(٣) امرأةٌ بَتُولٌ: أي مُنْقَطِعَةٌ عن الرِّجالِ لا شهوَةَ لهَا فِيهِمْ. انظر النهاية (١/ ٩٥).
(٤) قال السندي في شرح المسند (٢/ ٢١٨): أي: هذا القدر، يريد: أن قدره هذا، ولا يتجاوز عنه إلى ما يقوله الظلمة من البنوة، وغيرها.