وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا مِنْكَ مَا تَكْرَهُ. فَقَالَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه-: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ الحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ مُصْعَبٌ عَلَيْهِ الإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الزُّخْرُفِ: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (١).
قَالَا -أَيْ مُصْعَبٌ وَأَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ-: فَعَرَفْنَا وَاللَّهِ فِي وَجْهِهِ الإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وِتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتُم أَسْلَمْتُمْ، وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟
قَالَا: تَغْتَسِلُ، فتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثِيَابَكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي، فَقَامَ وَاغْتَسَلَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَائِدًا إِلَى نَادِي قَوْمِهِ، وَمَعَهُ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، فَلَمَّا رَآه قَوْمُهُ مُقْبِلًا قَالُوا: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُم سَعْدٌ بِغَيْرِ الوَجْهِ الذِي ذَهبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ! كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟
قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً (٢)، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
قَالَا -أَيْ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ -رضي اللَّه عنه- وَمُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ -رضي اللَّه عنه-: فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى فِي
(١) سورة الزخرف - آية (١ - ٣).
(٢) ميَمُونُ النَّقِيبَةِ: أي مُنَجَّح الفِعَالِ، مُظفَّرُ المَطَالِبِ، والنَّقِيبَةُ: النَّفس، وقيل الطبِيعَة والخَلِيقَة. انظر النهاية (٥/ ٨٩).