قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ (١) وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ.
قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا يَا أَبَتِ، إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا.
قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا، فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةِ (٢) البَيْتِ، كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا المَالِ.
قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ.
قَالَتْ أَسْمَاءُ: وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ (٣) الشَّيْخَ بِذَلِكَ (٤).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ".
(١) أبو قُحَافَةَ هو والد أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، وقد أسلم أبو قُحَافة يوم فتح مكة.
(٢) الكُوَّةُ: هو الخَرْقُ في الحائط والثُّقْبُ في البيت. انظر لسان العرب (١٢/ ١٩٨).
(٣) سَكَنَ الرجُلُ: سَكَت. انظر لسان العرب (٦/ ٣١١).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٦٩٥٧) - والحاكم في المستدرك، كتاب الهجرة - باب هجرة أبي بكر إلى المدينة مع جميع أمواله - رقم الحديث (٤٣٢٦).