وأصْحَابُهُ يَبْنُونَ المَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ المِسْحَاةَ (١)، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي المِسْحَاةَ وَعَمَلِي، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعُوا الحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ" (٢).
وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ في مُسْنَدِهِ وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدِّمُوا اليَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ أحْسَنكُمْ لَهُ مَسًّا، وأشَدُّكُمْ مِنْكَبًا" (٣).
وكَانَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي اللَّه عنه- يَقُولُ:
لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ المَسَاجِدَا ... يَدْأَبُ فِيهَا قَائِمًا وَقَاعِدا
وَمَنْ يُرَى عَنِ التُّرَابِ حَائِدًا (٤)
* شِدَّةُ عَمَّارٍ -رضي اللَّه عنه- في العَمَلِ:
وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَحْمِلُونَ لَبِنَة لَبِنَةً، وجَعَلَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ -رضي اللَّه عنه- يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ (٥)، وكَانَ رَجُلًا ضَابِطًا (٦)، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَعَلَ يَنْفُضُ
(١) المِسْحَاة: هي المِجْرَفَة من الحديد. انظر النهاية (٤/ ٢٨٠).
(٢) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٤٠٠٩/ ٣١).
(٣) المِنكب: هو ما بين الكتفِ والعنقِ، أَرادَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قوّته على التحمل. انظر النهاية (٥/ ٩٩).
والحديث أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٤٠٠٩/ ٢٧) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الطهارة - باب نَواقض الوضوء - رقم الحديث (١١٢٢).
(٤) أورد ذلك الحافظ في الفتح (٧/ ٦٥٩).
(٥) قال الحافظ في الفتح (٢/ ١١٢): فيه جوازُ ارتكابِ المَشَقَّة في عَمَل البِرّ.
(٦) الضَّابِطُ: الشديدُ البَطْشِ والقوةِ والجِسْم. انظر لسان العرب (٨/ ١٦) - النهاية (٣/ ٦٧).