مُضْطَجِعًا فِيهَا بِفِنَاءِ (١) أهْلِي، فَذَكَرَ البَعْثَ والقِيَامَةَ وَالحِسَابَ وَالمِيزَانَ والجَنَّةَ والنَّارَ، فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ، أصْحَابَ أوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ المَوْتِ، فَقَالُوا له: وَيْحَكَ يَا فُلانُ، تَرَى هَذَا كَائِنًا أَنَّ النَّاسَ يبعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إلى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟
قَالَ: نَعَمْ وَالذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أعْظَمُ تَنُّورٍ في الدُّنْيَا يُحَمُّونَهُ، ثُمَّ يدْخِلُونَهُ إيَّاهُ فيطْبَقُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْجُو مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا.
قَالُوا له: وَيْحَكَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَبِيٌّ ويُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ البِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَاليَمَنِ.
قَالُوا: وَمَتَى تَرَاهُ؟
قَالَ: فنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدْ (٢) هَذَا الغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا.
فَقُلْنَا: وَيْلَكَ يَا فُلَانُ! أَلسْتَ بِالذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟
قَالَ: بَلَى وَلَيْسَ بِهِ (٣).
(١) الفِنَاء: هو المُتَّسَعُ أمامَ الدار. انظر النهاية (٣/ ٤٢٨).
(٢) نَفِدَ الشيء: فَنِي وذهب. انظر لسان العرب (١٤/ ٢٢٨).
(٣) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٥٨٤١).