الوحي الإلهي كله بما يتبعه ويتضمنه من إخباراته عن النشور والحساب والجنة والنار بالحجة الطبيعية ذاتها.
كما غاب عنهم أن الدين الصالح في ذاته لا يحتاج في عصر ما إلى مصلح يتدارك شأنه، أو إصلاح يغيّر من جوهره.
غاب عن هؤلاء الناس هذا كله، مع أن إدراكهم له كان من أبسط مقتضيات العلم. لو كانوا يتمتعون بحقيقته وينسجمون مع منطقيته. لكن أعينهم عشيت في غمرة انبهارها بالنهضة الأوربية الحديثة وما قد حفّ بها من شعارات العلم وألفاظه، فلم تبصر من حقائق المنطق والعلم إلا عناوينها وشعاراتها، وقد كانوا بأمس الحاجة إلى فهم كامل لما وراء تلك العناوين وإلى هضم صحيح لمضمون تلك الشعارات. فلم يعد يستأثر بتفكيرهم إلا خيال نهضة (إصلاحية) تطور العقيدة الإسلامية هنا كما تطورت العقيدة النصرانية هناك.
وهكذا، فقد كان عماد هذه المدرسة الحديثة التي أشرنا إليها بإيجاز، هياجا في النفس، أكثر من أن يكون حقيقة علمية مدروسة استحوذت على العقل.
مصير هذه المدرسة اليوم:
والحقيقة أن الاهتمام بهذه المدرسة في كتابة السّيرة وفهمها، والحماسة التي ظهرت يوما ما لدى البعض في الأخذ بها- إنما كان منعطفا تاريخيا ومرّ.. وعذر أولئك الذين كتب عليهم أن يمروا بذلك المنعطف أو يمر هو بهم، أنهم كانوا- كما قلنا- يفتحون أعينهم إذ ذاك على خبر النهضة العلمية في أوربا، بعد طول غفلة وإغماض. وإنه لأمر طبيعي أن تنبهر العين عند أول لقياها مع الضياء، فلا تتبين حقائق الأشياء، ولا تتميز الأشباه عن بعضها. حتى إذا مرّ وقت، واستراحت العين إلى الضياء، أخذت الأشياء تتمايز وبدت الحقائق واضحة جلية لالبس فيها ولا غموض.
وهذا ما قد تمّ فعلا. فقد انجابت الغاشية، وصفت أسباب الرؤية السليمة أمام الأبصار؛ أبصار الجيل الواعي المثقف اليوم. فانطلق يتعامل مع حقيقة العلم وجوهره، بعد أولئك الذين أخذوا بألفاظه وانخدعوا بشعاراته، ثم عادوا وقد أيقنوا ببصيرة الباحث العليم والمفكر الحر، بأن شيئا مما يسمى بالخوارق والمعجزات لا يمكن أن يتنافى في جوهره مع حقائق العلم وموازينه.
ذلك لأن هذه الخوارق سميت كذلك لخرقها لما هو مألوف أمام الناس. وما كان للإلف أو العادة أن يكون مقياسا علميا لما هو ممكن وغير ممكن. وهيهات أن يقضي العلم يوما ما بأن كل ما استأنست إليه عين الإنسان مما هو مألوف هو وحده ممكن الوقوع، وأن كل ما استوحشت منه عين الإنسان مما هو غير مألوف له غير ممكن الوقوع.
ولقد علم كل باحث ومثقف اليوم بأن أحدث ما انتهت إليه مدارك العلماء في هذا الصدد،