السّنة في ذلك، ثم قررت مشروعية هذا القيام إذا انضبط بشروطه وقيوده التي بينتها السّنة الصحيحة، وقواعد الأصول والأحكام.
ووجدت فيها ما أوضح مشروعية قضاء الصلاة الفائتة سواء فاتت بسهو أو عمد فعرضت الأدلة ثم قررت الحكم على ضوئها.
ولو وجدت الأدلة قاضية بغير الذي اعتمدته، لقلت غير ذلك، ولا تبعت ما يرشد إليه الأصل والدليل، ولكنني لا أستطيع بأي حال أن أغمض العين عن مدرك الأحكام وأدلتها، لأقلد فئة من الناس اليوم، طاب لها أن تتخذ من مخالفة الأئمة وجمهور العلماء مذهبا جديدا، وألا يتورع الكثير منها عن انتقاصهم، بل عن لعنهم على رؤوس الأشهاد.
ونعوذ بالله من أن ينقلب لدينا البحث العلمي في العقل، إلى مثل هذه العصبية المستحكمة في النفس! ..
١٢- ولوددت والله، لو أن هذه الفئة التي تظل تشغل أفكار الناس وأوقاتهم بآرائها واجتهاداتها الفرعية، حاولت أن تشتغل هي الأخرى بهذا الذي وقع الناس فيه من أمور ومشكلات جسيمة خطيرة تحتاج إلى بذل الطاقات الهائلة وحصر الجهود العظيمة في سبيل معالجتها وتخليص المسلمين من آفاتها. ولكنها تظل ويا للعجب متنكرة متجاهلة لكل هذا الذي يفور به الزمن من أحداث، ويحوم حول العقل من قوانص الدين والإيمان، لتضمن لنفسها العكوف الهادئ على هذا الذي تسعى لإثارته بين الناس من مسائل لا جديد فيها أكثر مما وقع من خلاف قديم، ولا فائدة ترجى من الخصومة فيها أكثر من إثارة الضغائن في النفوس.
ولقد كان بوسع هذه الفئة أيضا- لو أنها كانت مخلصة لوجه الله في دأبها هذا- أن تعتنق الرأي الذي تطمئن إليه، ثم تترك الآخرين لما اطمأنوا هم أيضا إليه من المذهب والرأي، وتقلع عن الاستمرار في محاولة بسط سلطانها على الناس بالخصومة والعنف وتسفيه الأفكار. فلقد ظل جمهور المسلمين من قبلنا يجتمعون على التمسك بالأمور القطعية من اعتقادية وعملية، ويضفرون الجهود للاهتمام بها والذود عنها، فإذا ما بحثوا بعد ذلك في الأمور الاجتهادية الظنية لم يبالوا أن يختلفوا في صدد كثير منها إلى مذاهب متعددة دون أن يندفع أحد فيهم إلى محاولة بسط سلطانه على الآخرين واستعبادهم لما انقدح في ذهنه من الرأي.
ولو أنهم رضي الله عنهم فعلوا شيئا من هذا، لقضي على الوحدة الإسلامية قبل أن تدرج من المهد، ولما عثرنا في تاريخنا الإسلامي على شيء مما نظل نزهى به اليوم من مظاهر القوة والحضارة والمجد.
١٣- وأنا إنما أدعو القارئ بصدد البحث في هذه المسائل التي خالفت فيها هذه الفئة المذكورة، والتقيت في فهمها بمذهب جمهور المسلمين إلى أن يمعن النظر في الدليل وسلامته وقوته،