صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى هِرَقْلَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَدَعَا قَوْمَهُ إلَى التّصْدِيقِ بِهِ، فَأَبَوْا حَتّى خَافَهُمْ عَلَى مُلْكِهِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَتَحَرّكْ وَلَمْ يَزْحَفْ. وَكَانَ الّذِي خُبّرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْثَتِهِ أَصْحَابَهُ وَدُنُوّهِ إلَى أَدْنَى الشّامِ- بَاطِلًا، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَهُمّ بِهِ.
وَشَاوَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التّقَدّمِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنْ كُنْت أُمِرْت بِالْمَسِيرِ فَسِرْ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أُمِرْت بِهِ مَا اسْتَشَرْتُكُمْ فِيهِ! قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّ لِلرّومِ جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ حَيْثُ تَرَى، وَقَدْ أَفْزَعَهُمْ دُنُوّك، فَلَوْ رَجَعْت هَذِهِ السّنَةَ حَتّى تَرَى، أَوْ يُحْدِثَ اللهُ عَزّ وَجَلّ لَك فِي ذَلِكَ أَمْرًا.
قَالُوا: وَهَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ بِتَبُوكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هَذَا لِمَوْتِ مُنَافِقٍ عَظِيمِ النّفَاقِ.
قَالَ: فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَوَجَدُوا مُنَافِقًا قَدْ مَاتَ عَظِيمَ النّفَاقِ.
قَالَ: وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ بِتَبُوكَ فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَذَا طَعَامٌ تَصْنَعُهُ فَارِسُ، وَإِنّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَيْتَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَعُوا فِيهِ السّكّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ الله!
قَالَ: وَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْبِطَهُ حِيَالَهُ اسْتِئْنَاسًا بِصَهِيلِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَفَقَدَ صَهِيلَ الْفَرَسِ فَسَأَلَ عَنْهُ صَاحِبَهُ فَقَالَ: خَصَيْته يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنّ الْخَيْلَ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، اتّخِذُوا مِنْ نَسْلِهَا