قَالَ: حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخُو عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة المازنىّ، عن خلّاد ابن سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسِيرُ فِي الْجَيْشِ لَيْلًا، وَهُوَ قَافِلٌ وَأَنَا مَعَهُ، إذْ خَفَقَ خَفْقَةً وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَمَالَ عَلَى شِقّهِ، فَدَنَوْت مِنْهُ فَدَعَمْته (١) فَانْتَبَهَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت:
أَبُو قَتَادَةَ يَا رَسُولَ اللهِ، خِفْت أَنْ تَسْقُطَ فَدَعَمْتُك. فَقَالَ: حَفِظَك اللهُ كَمَا حَفِظْت رَسُولَ اللهِ! ثُمّ سَارَ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمّ فَعَلَ مِثْلَهَا، فَدَعَمْته فَانْتَبَهَ فَقَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، هَلْ لَك فِي التّعْرِيسِ (٢) ؟ فَقُلْت: مَا شِئْت يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: اُنْظُرْ مَنْ خَلْفَك! فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَقَالَ: اُدْعُهُمْ! فَقُلْت:
أَجِيبُوا رَسُولَ اللهِ! فَجَاءُوا فَعَرّسْنَا وَنَحْنُ خَمْسَةٌ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي إدَاوَةٌ فِيهَا مَاءٌ وَرَكْوَةٌ (٣) لِي أَشْرَبُ فِيهَا، فَنِمْنَا فَمَا انْتَبَهْنَا إلّا بِحَرّ الشّمْسِ، فَقُلْنَا: إنّا لِلّهِ! فَاتَنَا الصّبْحُ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَنَغِيظَنّ الشّيْطَانَ كَمَا أَغَاظَنَا. فَتَوَضّأَ مِنْ مَاءِ الْإِدَاوَةِ فَفَضَلَ فَضْلَةٌ فَقَالَ:
يَا أَبَا قَتَادَةَ، احْتَفِظْ بِمَا فِي الْإِدَاوَةِ وَالرّكْوَةِ فَإِنّ لَهَا شَأْنًا، ثُمّ صَلّى بِنَا الْفَجْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ فَقَرَأَ بِالْمَائِدَةِ، فَلَمّا انْصَرَفَ مِنْ الصّلَاةِ قَالَ: أَمَا إنّهُمْ لَوْ أَطَاعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَرَشَدُوا.
وَذَلِك أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَرَادَا أَنْ يَنْزِلَا بِالْجَيْشِ عَلَى الْمَاءِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، فَنَزَلُوا عَلَى غَيْرِ مَاءٍ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ.
فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَ الْجَيْشَ عِنْدَ زَوَالِ الشّمْسِ وَنَحْنُ مَعَهُ، وَقَدْ كَادَتْ تُقْطَعُ أَعْنَاقُ الرّجَالِ وَالْخَيْلِ عَطَشًا، فَدَعَا رَسُولُ الله صلّى
(١) دعمته: أى أسندته. (النهاية، ج ٢، ص ٢٣)
(٢) التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. (النهاية، ج ٣، ص ٨٠) .
(٣) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء. (النهاية، ج ٢، ص ١٠١) .