قَالَ: حَدّثَنِي ابْنُ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ حَاضَتْ! قَالَ: أَحَابِسَتنَا هِيَ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهَا قَدْ أَفَاضَتْ.
قَالَ: فَلَا إذًا!
فَلَمّا جَاءَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْ التّنْعِيمِ وَقَضَتْ عُمْرَتَهَا، أَمَرَ بِالرّحِيلِ، وَمَرّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ فِيهِ قَبْلَ الصّبْحِ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ.
قَالُوا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّمَا هِيَ ثَلَاثٌ يُقِيمُ بِهَا الْمَهَاجِرَ بَعْدَ الصّدْرِ. وَكَانَ سَائِلٌ سَأَلَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكّةَ، فَلَمْ يُرَخّصْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ إلّا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، قَالَ: إنّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ مُكْثٍ وَلَا إقَامَةٍ!
قَالَ: فَحَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبى سعيد، عن عبيد ابن جُرَيْجٍ، أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا وَدّعَ الْبَيْتَ فَكَانَ فِي الشّوْطِ (١) السّابِعِ خَلْفَ الْبَيْتِ يُمْنَى الْبَابِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: تَعَوّذَ بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَأَلْصَقَ بَطْنَهُ وَجَبْهَتَهُ بِالْبَيْتِ.
قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَفَلَ مِنْ حَجّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوَةٍ، فَوَافَى عَلَى ثَنِيّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ (٢) ، كَبّرَ ثَلَاثًا ثُمّ قَالَ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قدير: آئبون، تَائِبُونَ، سَاجِدُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبّنَا حَامِدُونَ! صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ! اللهُمّ، إنّا نعود بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب،
(١) الشوط: الجري مرة إلى غاية، والمعنى هنا الطواف بالبيت. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٢٦٩) .
(٢) الفدفد: الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع. (النهاية، ج ٣، ص ١٨٨) .