فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ عَرَاجِينِ (١) ابْنِ طَابٍ، فَقَالَ: اضْرِبْ بِهِ! فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ جَيّدٌ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ: بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِي الْحَوْضِ، إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ (٢) فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ، فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ.
فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ، فَقَالَتْ أُمّهُ: وَاَللهِ، لَا أَبْكِي عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ، فَإِنْ كَانَ ابْنِي فِي الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنِي فِي النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللهِ فَأَعْوَلْتُهُ! فَلَمّا قَدِمَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِيَ عَلَيْهِ فَقُلْت:
لَا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ. فقال النبىّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: هَبِلْت، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّهُ لَفِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى
قَالَتْ: فَلَا أَبْكِي عَلَيْهِ أَبَدًا! وَدَعَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِي جُيُوبِهِمَا، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلَا أَسَرّ.
قَالُوا: وَكَانَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وهب لمّا رأى الهزيمة انحزل (٣) ظهره فعقر (٤)
(١) فى ت: «عراجين أرطاب» . وعراجين: جمع عرجون، والعرجون: العذق، أو إذا يبس واعوج، أو أصله، أو عود الكباشة. وابن طاب: ضرب من الرطب.
(القاموس المحيط، ج ٤، ص ٢٤٨، ج ١، ص ٩٨) .
(٢) سهم غرب: أى لا يعرف رامية. (النهاية، ج ٣، ص ١٥٣) .
(٣) انخزل الشيء: انقطع. (الصحاح، ص ١٦٨٤) .
(٤) عقر: كفرح، فجئه الروع فلم يقدر أن يتقدم أو يتأخر. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٩٤) .