وقد أفاضت أكثر المراجع في ذكر عناية الواقدي بجمع التفاصيل عن الأخبار والأحاديث والروايات المختلفة، وأشادت بجهوده فى هذا السبيل.
روى ابن عساكر، والخطيب البغدادي، وابن سيد الناس (١) عن الواقدي أنه قال: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء، ولا مولى لهم إلا سألته:
هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل؟ فإذا أعلمنى مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه.
وقد رويت أخبار مشابهة عن هارون الفروى، قال: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة، فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضى إلى حنين، حتى أرى الموضع والوقعة (٢) .
ويشهد لنباهة الواقدي في هذا الشأن ما ذكر من أن هارون الرشيد، ويحيى بن خالد البرمكي- حين زارا المدينة في حجّهما- طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فدلوهما على الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مرّ بهما عليه (٣) .
وكان لقاء الواقدي بيحيى بن خالد خيرا وبركة على الواقدي، وقد ظلت هذه الصّلة بينهما حتى بعد نكبة البرامكة (٤) . وقد صرف الواقدي المنحة التي منحه إياها هارون الرشيد- وقدرها عشرة آلاف درهم- فى قضاء ديون كانت قد تراكمت عليه، كما أنفق منها على زواج بعض ولده، وبقي في يسر وسعة (٥) .
وقد أجمعت كل المصادر التي ترجمت للواقدي على أنه كان جوادا كريما معروفا بالسخاء، مما سبّب له اضطرابا ماديا، ظلّ يعانى منه طول حياته (٦) .
(١) تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١) ، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٦، عيون الأثر، ج ١، ص ١٨.
(٢) تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١) ، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٦، عيون الأثر، ج ١، ص ١٨.
(٣) انظر القصة بتمامها في ابن سعد (الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥) .
(٤) الطبقات، ج ٥، ص ٣١٩.
(٥) الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥.
(٦) تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١) ، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٣، عيون الأثر، ج ١، ص ١٧.