وَسَيْفٌ آخَرُ، وَثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ. قَالَ: وَوَجَدُوا فِي حُصُونِهِمْ سِلَاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ، وَكَانُوا صَاغَةً.
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَوَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ، وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً، يُقَالُ لَهَا السّحْلُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلَا قِرَابٌ-يَعْنِي مَزَارِعَ (١) . وَخَمّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ مِنْهُمْ، وَقَسّمَ مَا بَقِيَ عَلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ، فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ:
يَا أَبَا الْوَلِيدِ، مِنْ بَيْنِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ- وَنَحْنُ مَوَالِيك- فَعَلْت هَذَا بِنَا؟
قَالَ لَهُمْ عُبَادَةُ: لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت:
يَا رَسُولَ اللهِ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ. وَكَانَ ابْنُ أُبَيّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحِلْفِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ: تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك (٢) ! فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَبَا الْحُبَابِ، تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الْإِسْلَامُ الْعُهُودَ، أَمَا وَاَللهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا!
فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ: يَا مُحَمّدُ، إنّ لَنَا دَيْنًا فِي النّاسِ. قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَعَجّلُوا وَضَعُوا!
وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالْإِجْلَاءِ، وَطَلَبُوا التّنَفّسَ فَقَالَ لَهُمْ: وَلَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَكُمْ ثَلَاثٌ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا! هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ. فَلَمّا مَضَتْ ثَلَاثٌ خَرَجَ فِي آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ، وَهُوَ يَقُولُ: الشّرَفَ الْأَبْعَدَ، الْأَقْصَى، فَأَقْصَى! وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ، ثم
(١) الزيادة عن ب، ت.
(٢) فى ب: «ما هذه بيد فيهم عنك» ، وفى ت: «ما هذه بيد عندك» ، وما أثبتناه هو قراءة ب.