ويبدو واضحا للقارئ الحديث أن من أهم السمات التي تجعل الواقدي فى منزلة خاصة بين أصحاب السير والمغازي تطبيقه المنهج التاريخى العلمي الفنى، فإننا نلاحظ عند الواقدي- أكثر مما نلاحظ عند غيره من المؤرخين المتقدمين- أنه كان يرتب التفاصيل المختلفة للحوادث بطريقة منطقية لا تتغير. فهو مثلا يبدأ مغازيه بذكر قائمة طويلة من الرجال الذين نقل عنهم تلك الأخبار، ثم يذكر المغازي واحدة واحدة مع تأريخ محدد للغزوة بدقة، وغالبا ما يذكر تفاصيل جغرافية عن موقع الغزوة، ثم يذكر المغازي التي غزاها النبي بنفسه وأسماء الذين استخلفهم على المدينة أثناء غزواته، وأخيرا يذكر شعار المسلمين فى القتال، كل ذلك بالإضافة إلى وصفه لكل غزوة بأسلوب موحد، فيذكر أولا اسم الغزوة وتأريخها وأميرها، ويكرر فى بعضها اسم المستخلف على المدينة وتفاصيل جغرافية مما كان قد ذكرها فى مقدمة الكتاب.
وفى أماكن كثيرة يقدم لنا الواقدي قصة الواقعة بإسناد جامع- أى يجمع الرجال والأسانيد فى متن واحد.
وإذا كانت الغزوة قد نزل فيها آيات كثيرة من القرآن، فإن الواقدي يفردها وحدها مع تفسيرها ويضعها فى نهاية أخبار الغزوة.
وفى المغازي الهامة يذكر الواقدي أسماء الذين شهدوا الغزوة وأسماء الذين استشهدوا أو قتلوا فيها. ومن اليسير أن نستدل على فطنة الواقدي وإدراكه كمؤرخ من المنهج الموحد الذي يستعمله.
وإن ما أورده فى الكتاب من التفاصيل الجغرافية ليوحى بجهده ومعرفته للدقائق فى الأخبار التي جمعها فى رحلته إلى شرق الأرض وغربها طلبا للعلم وذلك أيضا دليل على أحقيته فى هذا الميدان بما وصفناه به (١) .
وقد تبعه فى اهتمامه بهذه التفاصيل الجغرافية كاتبه وتلميذه محمد بن سعد، بل نراه يزيد على تلك التفاصيل التي عند أستاذه الواقدي.
وجدير بالذكر أن هذه التفاصيل الجغرافية التي أوردها الواقدي تعتبر بحق
(١) انظر ما تقدم ذكره فى ص ٦ من هذه المقدمة.