فَقَالَ أَلَا لَا يَقْتُلُ الْمَرْءُ طَائِعًا ... أَبَاهُ وَقَدْ كَادَتْ تَطِيرُ بِهَا مُضَرْ
أَنْشَدَنِيهَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخَذْتهَا فِي الْكِتَابِ. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ.
فَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْهُرَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ:
لَمّا رُحْنَا مِنْ الْمُرَيْسِيعِ قَبْلَ الزّوَالِ كَانَ الْجَهْدُ بِنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، مَا أَنَاخَ مِنّا رَجُلٌ إلّا لِحَاجَتِهِ أَوْ لِصَلَاةٍ يُصَلّيهَا. وَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ، وَيَخْلُفُ بِالسّوْطِ فِي مَرَاقّهَا (١) حَتّى أَصْبَحْنَا، وَمَدَدْنَا يَوْمَنَا حَتّى انْتَصَفَ النّهَارُ أَوْ كَرَبَ، وَلَقَدْ رَاحَ النّاسُ وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ بِمَقَالَةِ ابْنِ أُبَيّ وَمَا كَانَ مِنْهُ، فَمَا هُوَ إلّا أَنْ أَخَذَهُمْ السّهَرُ وَالتّعَبُ بِالْمَسِيرِ، فَمَا نَزَلُوا حَتّى مَا يُسْمَعُ لِقَوْلِ ابْنِ أُبَيّ فِي أَفْوَاهِهِمْ- يَعْنِي ذِكْرًا. وَإِنّمَا أَسْرَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ لِيَدْعُوَا حَدِيثَ ابْنِ أُبَيّ، فَلَمّا نَزَلُوا وَجَدُوا مَسّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا. ثُمّ رَاحَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ مُبْرِدًا، فَنَزَلَ مِنْ الْغَدِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ بَقْعَاءُ فَوْقَ النّقِيعِ، وَسَرّحَ النّاسُ ظَهْرَهُمْ، فَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ حَتّى أَشْفَقَ النّاسُ مِنْهَا، وَسَأَلُوا عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ خَالَفَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا:
لَمْ تَهِجْ هَذِهِ الرّيحُ إلّا مِنْ حَدَثٍ! وَإِنّمَا بِالْمَدِينَةِ الذّرَارِيّ وَالصّبْيَانُ. وَكَانَتْ بَيْنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ مُدّةٌ، فَكَانَ ذَلِكَ حِينَ انْقِضَائِهَا فَدَخَلَهُمْ أَشَدّ الْخَوْفِ،
فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفُهُمْ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس عَلَيْكُمْ بَأْسٌ مِنْهَا، مَا بِالْمَدِينَةِ مِنْ نَقْبٍ إلّا عَلَيْهِ مَلَكٌ يَحْرُسُهُ، وَمَا كَانَ لِيَدْخُلَهَا عدوّ حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم
(١) أى فى مراق بطنها، وهي مارق منه فى أسافله. (أساس البلاغة، ص ٣٦٢) .