الله عليه وسلم يَكْرَهُونَ قُدُومَ قُرَيْشٍ. وَوَكّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلّ جَانِبٍ مِنْ الْخَنْدَقِ قَوْمًا يَحْفِرُونَهُ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَحْفِرُونَ مِنْ جَانِبِ رَاتِجٍ إلَى ذُبَابٍ، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ تَحْفِرُ مِنْ ذُبَابٍ إلَى جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ سَائِرُ الْمَدِينَةِ مُشَبّكًا بِالْبُنْيَانِ.
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ:
كُنْت أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ (١) وَالشّبَابُ يَنْقُلُونَ التّرَابَ، وَالْخَنْدَقُ بَسْطَةٌ (٢) أَوْ نَحْوُهَا، وكان المهاجرون والأنصار ينقلون على رؤوسهم فِي الْمَكَاتِلِ، وَكَانُوا إذَا رَجَعُوا بِالْمَكَاتِلِ جَعَلُوا فِيهَا الْحِجَارَةَ يَأْتُونَ بِهَا مِنْ جَبَلِ سَلْعٍ. وَكَانُوا يَجْعَلُونَ التّرَابَ مِمّا يَلِي النّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وكانوا يَسْطُرُونَ الْحِجَارَةَ مِمّا يَلِيهِمْ كَأَنّهَا حِبَالُ (٣) التّمْرِ- وَكَانَتْ الْحِجَارَةُ مِنْ أَعْظَمِ سِلَاحِهِمْ يَرْمُونَهُمْ بِهَا.
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ يَحْمِلُ التّرَابَ فِي الْمَكَاتِلِ وَيَطْرَحُهُ، وَالْقَوْمُ يَرْتَجِزُونَ،
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
هَذَا الْجَمَالُ لَا جَمَالُ خَيْبَرَ ... هَذَا أَبَرّ رَبّنَا وَأَطْهَرُ
وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ إذَا رَأَوْا مِنْ الرّجُلِ فُتُورًا ضَحِكُوا مِنْهُ. وَتَنَافَسَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ،
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنّا! .. وَكَانَ قَوِيّا عَارِفًا بِحَفْرِ الْخَنَادِقِ. وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: هُوَ مِنّا وَنَحْنُ أَحَقّ بِهِ! فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُمْ فَقَالَ: سَلْمَانُ رَجُلٌ منا أهل
(١) فى ث: «كنت أنظر إلى المسلمين يمرون» .
(٢) بسطة: أى قامة. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٢٥٠) .
(٣) فى ب: «جبال» .