وسلم لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ: اذْهَبْ فَانْظُرْ، ثُمّ ارْجِعْ إلَيّ إنْ شَاءَ الله فَأَخْبِرْنِي! قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: فَقُمْت عَلَى بَابِ الْقُبّةِ أَسْمَعُ كُلّ مَا يَتَكَلّمَانِ بِهِ. قَالَتْ:
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا حَتّى جَاءَهُ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ فِي خيل المشركين، معه مسعود بن رخيلة ابن نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ ابن رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، فِي خَيْلِ غَطَفَانَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ.
قَالَتْ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ. وَخَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ، حَتّى أَتَى تِلْكَ الثّغْرَةَ، فَلَمْ يَلْبَث أَنْ رَجَعَ وَهُوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ: صَرَفَهُمْ اللهُ، وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ. قَالَتْ: فَنَامَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ، وَسَمِعْت هَائِعَةً أُخْرَى، فَفَزِعَ فَوَثَبَ فَصَاحَ: يَا عَبّادُ ابن بِشْرٍ! قَالَ: لَبّيْكَ! قَالَ: اُنْظُرْ مَا هَذَا. فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ:
هَذَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، مَعَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي خَيْلِ غَطَفَانَ عِنْدَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ. فَعَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ إلَى تِلْكَ الثّغْرَةِ، فَلَمْ يَأْتِنَا حَتّى كَانَ السّحَرُ، فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: رَجَعُوا مَفْلُولِينَ، قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ.
ثُمّ صَلّى بِأَصْحَابِهِ الصّبْحَ وَجَلَسَ. فَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ تَقُولُ: قَدْ شَهِدْت مَعَهُ مَشَاهِدَ فِيهَا قِتَالٌ وَخَوْفٌ- الْمُرَيْسِيعَ، وَخَيْبَر، وَكُنّا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي الْفَتْحِ، وُحَنَيْنٍ- لَمْ يَكُنْ فى ذَلِكَ شَيْءٌ أَتْعَبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَخْوَفُ عِنْدَنَا مِنْ الْخَنْدَقِ. وَذَلِكَ أَنّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ (١) ، وَأَنّ قُرَيْظَةَ لَا نَأْمَنُهَا عَلَى الذّرَارِيّ، وَالْمَدِينَةُ تُحْرَسُ حَتّى الصّبَاحِ، يُسْمَعُ تَكْبِيرُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حتى يصبحوا
(١) الحرجة: الشجرة الكثيرة الأغصان. (شرح أبى ذر، ص ١٥٩) .