أَفْنَاءِ (١) الْعَرَبِ- فَعَمَدُوا يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَتَنَاوَشُوا بِالنّبْلِ سَاعَةً، وَهُمْ جَمِيعًا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وِجَاهَ قُبّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ، عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ، وَيُقَالُ عَلَى فَرَسِهِ.
فَيَرْمِي حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ (٢) ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَرّقَ اللهُ وَجْهَك فِي النّارِ!
وَيُقَال أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ رَمَاهُ، وَكَانَ دَارِعًا. فَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: كُنّا فِي أُطُمِ بَنِي حَارِثَةَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَمَعَنَا أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَمَرّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِ رَدْعٌ خَلُوقٌ (٣) مَا رَأَيْت أَحَدًا فِي الْخَلُوقِ مِثْلَهُ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ، مُشْمِرَةٌ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، وَاَللهِ، إنّي لَأَخَافُ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مِنْ تَشْمِيرَةِ دِرْعِهِ مَا أَصَابَهُ، فَمَرّ يُرَفّلُ فِي يَدِهِ الْحَرْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ:
لَبِثَ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا (٤) حَمَلْ (٥) ... مَا أَحَسَنَ الْمَوْتَ إذَا حَانَ الْأَجَلْ
وَأُمّهُ تَقُولُ: الْحَقْ بِرَسُولِ اللهِ يَا بُنَيّ! وَقَدْ وَاَللهِ تَأَخّرْت، فَقُلْت:
وَاَللهِ يَا أُمّ سَعْدٍ، لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ أَسْبَغُ عَلَى بَنَانِهِ. قَالَتْ أُمّ سَعْدٍ:
يَقْضِي اللهُ مَا هُوَ قَاضٍ! فَقَضَى لَهُ أَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ، وَلَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنّهُ قَدْ رُمِيَ، تَقُولُ أُمّهُ: وَا جبلاه!
(١) يقال: هو من أفناء الناس، إذا لم يعلم ممن هو. (الصحاح، ص ٢٤٥٧) .
(٢) الأكحل: عرق فى اليد، أو عرق الحياة. (القاموس المحيط، ج ٤، ص ٤٤) .
(٣) فى الأصل: «درع حلوق» ، وما أثبتناه هو قراءة ب. والردع: أثر الطيب فى الجسد.
(القاموس المحيط، ج ٣، ص ٢٩) . والخلوق: طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة. (النهاية، ج ١، ص ٣١٧) .
(٤) الهيجا: الحرب. (الصحاح، ص ٣٥٢) .
(٥) قال السهيلي: هو بيت تمثل به، عنى به حمل بن سعدانة بن حارثة بن معقل بن كعب ابن عليم بن جناب الكلبي. (الروض الأنف، ج ٢، ص ١٩٢) .