فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ، فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لَا، حَتّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللهِ فَيَكُونَ هُوَ الّذِي يُطْلِقُ عَنّي. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصّبْحِ أَطْلَقَهُ. وَنَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.. (١)
الْآيَةَ. وَيُقَال نَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (٢) .
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: نَزَلَتْ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ. (٣)
الْآيَةَ. وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً.
وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو لُبَابَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الّتِي أَصَبْت فِيهَا هَذَا الذّنْبَ، فَأُخْرِجُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُجْزِئُ عَنْك الثّلُثُ.
فَأَخْرَجَ الثّلُثَ، وَهَجَرَ أَبُو لُبَابَةَ دَارَ قَوْمِهِ. ثُمّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبِنْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ إلّا خَيْرٌ حَتّى فَارَقَ الدّنْيَا.
قَالُوا: وَلَمّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَنَزَلُوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وَسَلّم أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِأَسْرَاهُمْ فَكُتّفُوا رِبَاطًا، وَجُعِلَ عَلَى كِتَافِهِمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَنُحّوا نَاحِيَةً، وَأَخْرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ مِنْ الْحُصُونِ فَكَانُوا نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ الله صلّى الله
(١) سورة ٩ التوبة ١٠٢.
(٢) سورة ٨ الأنفال ٢٧.
(٣) سورة ٥ المائدة ٤١.