الْإِدَاوَةَ (١) وَالْحَبْلَ، حَتّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. وَرَجَعَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ. قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟
قَالُوا: لَا وَاَللهِ. قَالَ: فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، لَقَدْ أَسْلَمْت بِالْمَدِينَةِ، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ إلّا أَنْ خَشِيت أَنْ تَظُنّوا أَنّي أَسْلَمْت لِأَنْ أَذْهَبَ بِاَلّذِي لَكُمْ. ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدّ عَلَيْهِ زَيْنَبَ بِذَلِكَ النّكَاحِ. وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ الْعِيرَ كَانَتْ أَخَذَتْ طَرِيقَ الْعِرَاقِ، وَدَلِيلُهَا فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِيّ.
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: وَأَمّا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَأَفْلَتْ، فَتَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَكّةَ فأخذ الطريق نفسها، فلقه سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ قَافِلًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ، وَكَانَ الّذِي أَسَرَ الْمُغِيرَةَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَأَقْبَلَ بِهِ حَتّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُمْ مُبْرِدُونَ.
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَأَخْبَرَنِي ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: احْتَفِظِي بِهَذَا الْأَسِيرِ! وَخَرَجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَهَوْت مَعَ امْرَأَةٍ أَتَحَدّثُ مَعَهَا، فَخَرَجَ وَمَا شَعَرْت بِهِ، فَدَخَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ فَقَالَ: أَيْنَ الْأَسِيرُ؟ فَقُلْت: وَاَللهِ مَا أَدْرِي، غَفَلْت عَنْهُ، وَكَانَ هَاهُنَا آنِفًا. فَقَالَ: قَطَعَ اللهُ يَدَك! قَالَتْ: ثُمّ خَرَجَ فَصَاحَ بِالنّاسِ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَأَخَذُوهُ بِالصّوْرَيْنِ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُقَلّبُ بِيَدِي، فَقَالَ:
مَا لَكِ؟ فَقُلْت: أَنْظُرُ كَيْفَ تُقْطَعُ يَدِي، قَدْ دَعَوْت عَلَيّ بِدَعْوَتِكُمْ! قَالَتْ:
فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّمَا أنا بشر، أغضب وآسف
(١) الإداوة: المطهرة التي يتوضأ بها. (شرح أبى ذر، ص ١٦٧) .