فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنَا حِينَ بَلَغْنَا الثّنِيّةَ الْبَيْضَاءَ- وَالثّنِيّةُ الْبَيْضَاءُ الّتِي تُهْبِطُكَ عَلَى فَخّ وَأَنْتَ مُقْبِلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ- إذَا عَدّاسٌ جَالِسٌ عَلَيْهَا وَالنّاسُ يَمُرّونَ، إذْ مَرّ عَلَيْهِ ابْنَا رَبِيعَةَ، فَوَثَبَ إلَيْهِمَا فَأَخَذَ بِأَرْجُلِهِمَا فِي غَرْزِهِمَا، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمّي أَنْتُمَا، وَاَللهِ إنّهُ رَسُولُ اللهِ، وَمَا تُسَاقَانِ إلّا إلَى مَصَارِعِكُمَا! وَإِنّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلُ دُمُوعُهُمَا عَلَى خَدّيْهِ، فَأَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ أَيْضًا، ثُمّ مَضَيْت، وَمَرّ بِهِ الْعَاصُ (١) بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ وَلّى عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيك؟ فَقَالَ: يُبْكِينِي سَيّدَايَ وَسَيّدَا أَهْلِ الْوَادِي، يَخْرُجَانِ إلَى مَصَارِعِهِمَا، وَيُقَاتِلَانِ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ الْعَاصُ:
وَإِنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: فَانْتَفَضَ عَدّاسٌ انْتِفَاضَةً، وَاقْشَعَرّ جِلْدُهُ، ثُمّ بَكَى وَقَالَ: إي وَاَللهِ، إنّهُ لَرَسُولُ اللهِ إلَى النّاسِ كَافّةً. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ، ثُمّ مَضَى وَهُوَ عَلَى الشّكّ حَتّى قُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شَكّ وَارْتِيَابٍ. وَيُقَالُ رَجَعَ عَدّاسٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَيُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ- وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.
قَالُوا: وَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا (٢) قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَتَنْزِلُ (٣) هَذَا، وَقَدْ آوَى مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: قُلْ مَا شِئْت، أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا.
قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ: مَهْ، لَا تَقُلْ هَذَا لِأَبِي الْحَكَمِ، فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِي! قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ، أَمَا وَاَللهِ
لَسَمِعْت مُحَمّدًا يَقُولُ «لَأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف» .
قَالَ أُمَيّةُ: أَنْتَ سَمِعْته؟ قال، قلت: نعم.
(١) فى الأصل. «عاصم بن منبه» . وما أثبتناه عن سائر النسخ، وهكذا ذكره ابن إسحاق أيضا.
(السيرة النبوية، ج ٢، ص ٢٩٥) .
(٢) فى ت: «وخرج سعد بن معاذ إلى مكة قبل بدر» .
(٣) فى ت، ح: «أتترك هذا» .