فَاحْتَمَلْنَاهُ وَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا. وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ فِي قَوْمِهِمْ فَجَاءَنَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَنَظَرُوا إلَيْنَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الْوَادِي وَهُمْ مُوَجّهُونَ إلَيْنَا، فَجَاءَ اللهُ الْوَادِيَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِمَاءٍ مَلَأَ جَنْبَيْهِ، وَاَيْمُ اللهِ مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ سَحَابًا وَلَا مَطَرًا، فَجَاءَ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَجُوزُهُ، فَلَقَدْ رَأَيْتهمْ وُقُوفًا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا وَقَدْ أَسْنَدْنَا فِي الْمُشَلّلِ (١) وَفُتْنَاهُمْ، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى طَلَبِنَا، فَمَا أَنْسَى رَجَزَ أَمِيرِنَا غَالِبٍ:
أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعَزّ بِي (٢) ... وَذَاكَ قَوْلُ صَادِقٍ لَمْ يَكْذِبْ
فِي خَضِلٍ (٣) نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ (٤) ... صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُذْهَبِ
ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ.
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت مَعَهُمْ وَكُنّا بَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، شِعَارُنَا: أَمِتْ! أَمِتْ!
سَرِيّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَوَجَدُوا جَمْعًا من جمعهم
(١) المشلل: ثنية مشرفة على قديد. (معجم ما استعجم، ص ٥٦٠) .
(٢) تعزبى: معناه تقيمي، يقال تعزبت الإبل فى المرعى إذا أقامت فيه. (شرح أبى ذر، ص ٤٥٠) .
(٣) الخضل: النبات الأخضر المبتل. (شرح أبى ذر، ص ٤٥٠) .
(٤) المغلولب: الكثير الذي يغلب على الماشية حين ترعاه. (شرح أبى ذر، ص ٤٥١) .