أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يَقُولُ: كُنْت فِي حِجْرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَلَمْ أَرَ وَالِيَ يَتِيمٍ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ، خَرَجْت مَعَهُ فِي وَجْهِهِ إلَى مُؤْتَةَ، وَصَبّ بِي وَصَبَبْت بِهِ (١) فَكَانَ يُرْدِفُنِي خَلْفَ رَحْلِهِ، فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بَيْنَ شُعْبَتَيْ (٢) الرّحْلِ، وَهُوَ يَتَمَثّلُ أَبْيَاتَ شِعْرٍ
إذَا بَلّغْتِنِي وَحَمَلْت رَحْلِي ... مَسَافَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ (٣)
فَزَادُك أَنْعُمٌ وَخَلَاك ذَمّ (٤) ... وَلَا أَرْجِعْ (٥) إلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَآبَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي (٦) ... بِأَرْضِ الشّامِ مُشْتَهَى الثّوَاءِ (٧)
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ نَخْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ (٨)
فَلَمّا سَمِعْت هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بَكَيْت، فَخَفَقَنِي بِيَدِهِ (٩) وَقَالَ: مَا يَضُرّك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللهُ الشّهَادَةَ فَأَسْتَرِيحَ مِنْ الدّنْيَا وَنَصَبِهَا وَهُمُومِهَا وَأَحْزَانِهَا وَأَحْدَاثِهَا. وَيَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ، ثُمّ نَزَلَ نَزْلَةً مِنْ اللّيْلِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَعَاقَبَهُمَا دُعَاءً طَوِيلًا ثُمّ قَالَ لِي: يَا غُلَامُ! فَقُلْت: لَبّيْكَ! قَالَ: هِيَ إنْ شَاءَ اللهُ الشّهَادَةُ.
وَمَضَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ عَلَيْهِمْ قبل أن
(١) فى الأصل: «وصيب وصببت به» ، وما أثبتناه عن ح.
(٢) شعبتا الرحل: أى طرفاه. (القاموس المحيط، ج ١، ص ٨٨) .
(٣) فى ح: «الحشاء» . والحساء: جمع حسى، وهو ماء يغور فى الرمل وإذا بحث عنه وجد. (شرح أبى ذر، ص ٣٥٥) .
(٤) فى ح: «فشأنك فانعمى وخلاك ذم» .
(٥) هو مجزوم على الدعاء، دعا على نفسه أن يستشهد ولا يرجع إلى أهله. (شرح أبى ذر، ص ٣٥٥) .
(٦) فى ح: «وخلفوني» .
(٧) ثوى بالمكان ثواء إذا أطال الإقامة به أو نزل فيه. (القاموس المحيط، ج ٤، ص ٣١٠) .
(٨) فى ح: «رداء» .
(٩) فى ح: «بالدرة» .