مُنْهَزِمًا،
فَلَمّا سَمِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِجَيْشِ مُؤْتَةَ قادمين تقتلوهم بِالْجَرْفِ، فَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرّارُ، أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بِفُرّارٍ، وَلَكِنّهُمْ كُرّارٌ إنْ شَاءَ اللهُ!
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، يَقُولُ: مَا لَقِيَ جَيْشٌ بُعِثُوا مَعَنَا مَا لَقِيَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَقِيَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالشّرّ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَنْصَرِفَ إلَى بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ، فَيَدُقّ عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَيَأْبَوْنَ أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ، يَقُولُونَ: أَلَا تَقَدّمْت مَعَ أَصْحَابِك؟ فَأَمّا مَنْ كَانَ كَبِيرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ اسْتِحْيَاءً حَتّى جَعَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ رَجُلًا رَجُلًا، يَقُولُ: أَنْتُمْ الْكُرّارُ فِي سَبِيلِ اللهِ!
حَدّثَنِي مُصْعِبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَدَخَلَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ؟
آشْتَكَى شَيْئًا؟ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: لَا وَاَللهِ، وَلَكِنّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، إذَا خَرَجَ صَاحُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ «يَا فُرّارُ، أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟» . حَتّى قَعَدَ فِي الْبَيْتِ.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمّ سَلَمَةَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَلْ، هُمْ الْكُرّارُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَلْيَخْرُجْ! فَخَرَج.
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ، قَالَ: كُنّا نَخْرُجُ وَنَسْمَعُ مَا نَكْرَهُ مِنْ النّاسِ، لَقَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمّ لِي كَلَامٌ، فَقَالَ: إلّا فِرَارَك يَوْمَ مُؤْتَةَ! فَمَا دُرِيت أَيّ شَيْءٍ أقول له.