هُذَيْلٍ، وَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ الِانْهِزَامِ حَتّى قُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ (١) وَهُمْ مُوَلّونَ فِي كُلّ وَجْهٍ.
وَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَوْقَ رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَاتّبَعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَصِيحَانِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَامَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ؟ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ وَضَعَ السّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. فَجَعَلَ النّاسُ يَقْتَحِمُونَ الدّورَ، وَيُغَلّقُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَطْرَحُونَ السّلَاحَ فِي الطّرُقِ حَتّى يَأْخُذَهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَلَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَنِيّةِ أَذَاخِرَ نَظَرَ إلَى الْبَارِقَةِ (٢) فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْبَارِقَةُ، أَلَمْ أَنْهَ عَنْ الْقِتَالِ؟ قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قُوتِلَ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتَلْ مَا قَاتَلَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَى اللهُ خَيْرًا!
قَالَ: وَجَعَلَ يَتَمَثّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ خَارِجَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الْكَعْبِيّ، أَنْشَدَنِيهَا (٣) عَنْ أَبِيهِ:
إذَا مَا رَسُولُ اللهِ فِينَا رَأَيْتنَا ... كَلُجّةِ بَحْرٍ نَالَ فِيهَا سَرِيرُهَا
إذَا مَا ارْتَدَيْنَا الْفَارِسِيّةَ فَوْقَهَا ... رُدَيْنِيّةٌ (٤) يَهْدِي الْأَصَمّ خَرِيرُهَا (٥)
(٦) وَإِنّ مُحَمّدًا لَهَا نَاصِرٌ ... عَزّتْ وَعَزّ نَصِيرُهَا
وَأَقْبَلَ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ مَكّةَ، مُدَجّجًا فِي الْحَدِيدِ، عَلَى فَرَسٍ ذَنُوبٍ (٧) ، بِيَدِهِ قَنَاةٌ. وَبَنَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدْ ذُكِرَ لَهُنّ أَنّ رَسُولَ اللهِ
(١) الحزورة: سوق مكة وقد دخلت فى المسجد لما زيد فيه. (معجم البلدان، ج ٣، ص ٣٧١) .
(٢) بارقة السيوف: لمعانها، يقال: برق بسيفه وأبرق إذا لمع به. (النهاية، ج ١، ص ٧٤) .
(٣) كلمة غامضة، رسمها فى الأصل: «حرايد» .
(٤) القناة الردينية والرمح الرديني، زعموا أنه منسوب إلى امرأة السمهري تسمى ردينة. وكانا يقومان القناة بخط هجر. (الصحاح، ص ٢١٢٢) .
(٥) فى الأصل: «جريرها» ، وما أثبتناه أقرب إلى السياق. والخرير: صوت الماء والريح.
(القاموس المحيط، ج ٢، ص ١٩) .
(٦) بياض بالأصل.
(٧) الذنوب: الفرس الطويل الذنب. (الصحاح، ص ١٢٨) .