أَشَاقَتْك هِنْدٌ أَمْ نَآك (١) سُؤَالُهَا ... كَذَاك النّوَى أَسْبَابُهَا وَانْفِتَالُهَا (٢)
وَقَدْ أَرّقَتْ (٣) فِي رَأْسِ حِصْنٍ مُمَنّعٍ ... بِنَجْرَانَ يَسْرِي بَعْدَ لَيْلٍ (٤) خَيَالُهَا
وَإِنّي مِنْ قَوْمٍ إذَا جَدّ جِدّهُمْ ... عَلَى أَيّ حَالٍ أَصْبَحَ الْيَوْمَ حَالُهَا
وَإِنّي لَحَامٍ مِنْ وَرَاءِ عَشِيرَتِي ... إذَا كَرِهَتْ نَحْوَ الْعَوَالِي فَحَالُهَا (٥)
وَإِنّ كَلَامَ الْمَرْءِ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ ... لَكَالنّبْلِ تَهْوِي لَيْسَ فِيهَا نِصَالُهَا
وَإِنْ كُنْت قَدْ تَابَعْت دِينَ مُحَمّدٍ ... وَقَطّعَتْ الْأَرْحَامَ مِنْك حِبَالُهَا
فَكُونِي عَلَى أَعْلَى سَحِيقٍ بِهَضْبَةِ (٦) ... مُلَمْلَمَةٍ (٧) حَمْرَاءَ يَبِسَ تِلَالُهَا
أَقَامَ بِنَجْرَانَ حَتّى مَاتَ مُشْرِكًا.
قَالَ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكّة هَرَبَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى حَتّى انْتَهَى إلَى حَائِطِ عَوْفٍ فَدَخَلَ هُنَاكَ، وَخَرَجَ أَبُو ذَرّ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ دَاخِلَهُ، فَلَمّا رَآهُ هَرَبَ حُوَيْطِبٌ فَنَادَاهُ أَبُو ذَرّ: تَعَالَ، أَنْتَ آمِنٌ! فَرَجَعَ إلَيْهِ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: أَنْتَ آمِنٌ، فَإِنْ شِئْت أَدْخَلْتُك عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شِئْت فَاذْهَبْ إلَى مَنْزِلِك. قَالَ: وَهَلْ لِي سَبِيلٌ إلَى مَنْزِلِي؟ أُلْقَى فَأُقْتَلُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَى مَنْزِلِي، أَوْ يَدْخُلَ عَلَيّ مَنْزِلِي فَأُقْتَلَ. قَالَ: فَأَنَا أَبْلُغُ معك
(١) نآك: أى بعد عنك. (شرح أبى ذر، ص ٣٧٤) .
(٢) انفتالها: أى تقلبها من حالة إلى حالة. (شرح أبى ذر، ص ٣٧٤) .
(٣) أرقت: أزالت النوم. (شرح أبى ذر، ص ٣٧٤) .
(٤) فى الأصل: «بعدهن» ، وما أثبتناه عن ابن إسحاق. (السيرة النبوية، ج ٤، ص ٦٢) .
(٥) الفحال: جمع الفحل.
(٦) فى الأصل: «سجوق نهيضة» ، وما أثبتناه عن ابن إسحاق. (السيرة النبوية، ج ٤، ص ٦٣) .
والسحيق: البعيد. (الصحاح، ص ١٤٩٥) . والهضبة: الكدية العالية. (شرح أبى ذر، ص ٣٧٥) .
(٧) الململمة: المستديرة. (شرح أبى ذر، ص ٣٧٥) .