قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ وَاَللهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ هَزِيمَتِهِمْ حَتّى وُجِدَ الْأَسْرَى عِنْدَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَتّفِينَ. قَالَ: وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ، وَكَانَ مِمّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: ابْنُ أُمّك يَا رَسُولَ اللهِ. وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَخُوك- فِدَاك أَبِي وَأُمّي- أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ أَخِي، نَاوِلْنِي حَصًى مِنْ الْأَرْضِ!
فَنَاوَلْته فَرَمَى بِهَا فِي أَعْيُنِهِمْ كُلّهِمْ، وَانْهَزَمُوا.
قَالُوا: فَلَمّا انْكَشَفَ النّاسُ انْحَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى دَابّتِهِ لَمْ يَنْزِلْ، إلّا أَنّهُ قَدْ جرد سيفه وطرح غمد وَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، الْعَبّاسُ، وَعَلِيّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بن الحارث، وربيعة ابن الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِيّ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَلَيْهِمْ السّلَامُ.
وَيُقَالُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ، قَالَ لِحَارِثَةَ بْنِ النّعْمَانِ: يَا حَارِثَةُ، كَمْ تَرَى الّذِينَ ثَبَتُوا؟ قَالَ:
فَلَمّا الْتَفَتَ وَرَائِي تَحَرّجًا (١) ، فَنَظَرْت عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَحَزَرْتُهُمْ مِائَةً، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هُمْ مِائَةٌ! حَتّى كَانَ يَوْمٌ مَرَرْت عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُنَاجِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَال
(١) تحرج فلان إذا فعل فعلا يخرج به من الحرج: الإثم والضيق. (النهاية، ج ١، ص ٢١٣) .