كَذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَيْتَ أُمّي كُنّةُ وَأَنّ الله رزقني مِنْ بِرّهَا مَا رَزَقَك. وَكَانَ أَبَرّ النّاسِ بِأُمّهِ، مَا كَانَتْ تَأْكُلُ طَعَامًا إلّا مِنْ يَدِهِ، وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهَا إلّا هُوَ، وَلَا يُسَرّحُ (١) رَأْسَهَا إلّا هُوَ.
قَالُوا: وَهَرَبَتْ ثَقِيفٌ، فَقَالَ شُيُوخٌ مِنْهُمْ- أَسْلَمُوا بَعْدُ، كَانُوا قَدْ حَضَرُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ- قَالُوا: مَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِنَا فِيمَا نَرَى، وَنَحْنُ مُوَلّونَ حَتّى إنّ الرّجُلَ مِنّا لَيَدْخُلُ حِصْنَ الطّائِفِ وَإِنّهُ لَيَظُنّ أَنّهُ عَلَى أَثَرِهِ، مِنْ رُعْبِ الْهَزِيمَةِ.
وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ: لَمّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْت رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا، قَدْ عَلَاهُ الْمُشْرِكُ، فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيّ فَضَمّنِي ضَمّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَنِي لَوْلَا أَنّ الدّمَ نَزَفَهُ، فَسَقَطَ وَذَفّفْتُ عَلَيْهِ وَمَضَيْت وَتَرَكْت عَلَيْهِ سَلَبَهُ، فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقُلْت: مَا بَالُ النّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ. ثُمّ إنّ النّاسَ رَجَعُوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. قَالَ: فَقُمْت فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمّ جَلَسْت، ثُمّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ.
فَقُمْت فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمّ جَلَسْت، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ.
فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَشَهِدَ لِي، ثُمّ لَقِيت الْأَسْوَدَ بْنَ الْخُزَاعِيّ فَشَهِدَ لِي، وَإِذَا صَاحِبِي الّذِي أَخَذَ السّلَبَ لَا يُنْكِرُ أَنّي قَتَلْته- وَقَدْ قَصَصْت عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصّةَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَاهَا اللهِ إذا (٢) ،
(١) تسريح الشعر: إرساله قبل المشط. (لسان العرب، ج ٣، ص ٣٠٨) .
(٢) قال ابن الأثير: هكذا جاء الحديث «لاها الله إذا» ، والصواب: «لاها الله ذا» بحذف الهمزة. ومعناه: لا والله لا يكون ذا، أو لا والله الأمر ذا، فحذف تخفيفا. (النهاية، ج ٤، ص ٢٣٦) .