نَرَى رِجَالًا أَكْفَالًا (١) ، قَدْ وَضَعُوا رِمَاحَهُمْ عَلَى أَكْفَالِ (٢) خُيُولِهِمْ. قَالَ:
تِلْكَ الْخَزْرَجُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ بَأْسٌ، وَهُمْ سَالِكُونَ طَرِيقَ إخْوَانِهِمْ. قَالَ:
اُنْظُرُوا مَاذَا تَرَوْنَ. قَالُوا: نَرَى أَقْوَامًا كَأَنّهُمْ الْأَصْنَامُ عَلَى الْخَيْلِ. قَالَ:
تِلْكَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكُمْ! فَلَمّا غَشِيَتْهُ الْخَيْلُ نَزَلَ عن فرسه مَخَافَةَ أَنْ يُؤْسَرَ، ثُمّ طَفِقَ يَلُوذُ بِالشّجَرِ حَتّى سَلَكَ فِي يَسُومَ، جَبَلٌ بِأَعْلَى نَخْلَةَ، فَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا. وَيُقَالُ: قَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى رَجُلًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُعْلِمًا بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ، يَخْبِطُ بِرِجْلَيْهِ فِي الْأَرْضِ، وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ. قَالَ: ذَلِكَ ابْنُ صَفِيّةَ، الزّبَيْر، وَاَيْمُ اللهِ لَيُزِيلَنّكُمْ عَنْ مَكَانِكُمْ! فَلَمّا بَصُرَ بِهِمْ الزّبَيْرُ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتّى أَهْبَطَهُمْ مِنْ الثّنِيّةِ، وَهَرَبَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فَتَحَصّنَ فِي قَصْرٍ بِلِيّةَ (٣) . وَيُقَالُ: دَخَلَ حِصْنَ ثَقِيفٍ.
وَذُكِرَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ رَجُلًا كَانَ بِحُنَيْنٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى اشْتَدّ بِهِ الْجِرَاحُ. فَذُكِرَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ النّارِ! فَارْتَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ، فَلَمّا اشْتَدّ بِهِ الْجِرَاحُ أَخَذَ مِشْقَصًا (٤) مِنْ كِنَانَتِهِ فَانْتَحَرَ بِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ: أَلَا لَا دَخَلَ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ، وَأَنّ اللهَ يُؤَيّدُ الدّينَ بِالرّجُلِ الْفَاجِر.
قَالُوا: وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَنَائِمِ تجمع، ونادى مناديه:
(١) الكفل من الرجال، الذي يكون فى مؤخر الحرب، والجمع أكفال. (لسان العرب، ج ١٤، ص ١٠٨) .
(٢) الأكفال: جمع الكفل بالتحريك، وهو العجز، وقيل ردف العجز. (لسان العرب، ج ١٤، ص ١٠٧) .
(٣) فى الأصل: «فى قصر بنيه» . ولية: من نواحي الطائف. (معجم البلدان، ج ٧، ص ٣٤٨) .
(٤) المشقص من النصال: ما طال وعرض. (الصحاح، ص ١٠٤٢) .