السّلَمِيّ يُحَدّثُ وَكَانَ قَدْ حَضَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ: كُنّا نَتَحَدّثُ فِيمَا بَيْنَنَا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِاسْتِغْفَارٍ لَهُ، وَلَكِنّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ قَدْرَ الدّمِ عِنْدَ اللهِ.
قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، قَالَ: لَمّا مَاتَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ دَفَنَهُ قَوْمُهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَطَرَحُوهُ بَيْنَ صَخْرَتَيْنِ فَأَكَلَتْهُ السّبَاعُ.
قَالَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الوليد، عن لقمان ابن عَامِرٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ، قَالَ: لَمّا حَضَرَ مُحَلّمَ بْنَ جَثّامَةَ الْمَوْتُ أَتَاهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ، فَقَالَ: يَا مُحَلّمُ، إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَرْجِعَ إلَيْنَا فَتُخْبِرَنَا بِمَا رَأَيْتُمْ وَلَقِيتُمْ. قَالَ: فَأَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَامٍ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ، فَقَالَ لَهُ:
كَيْفَ أَنْتُمْ يَا مُحَلّمُ؟ قَالَ: نَحْنُ بِخَيْرٍ، وَجَدْنَا رَبّا رَحِيمًا غَفَرَ لَنَا. قَالَ عَوْفٌ: أَكُلّكُمْ؟ قَالَ: كُلّنَا غَيْرَ الْأَحْرَاضِ. قَالَ: وَمَا الْأَحْرَاضُ؟ قَالَ:
الّذِينَ يُشَارُ إلَيْهِمْ بِالْأَصَابِعِ (١) . وَاَللهِ، مَا مِنْ شَيْءٍ اسْتَنْفَقَهُ اللهُ لِي إلّا وَقَدْ وُفّيت أَجْرَهُ، حَتّى إنّ قِطّةً لِأَهْلِي هَلَكَتْ فَلَقَدْ أُعْطِيت أَجْرَهَا. قَالَ عَوْفٌ:
فَقُلْت: وَاَللهِ إنّ تَصْدِيقَ رُؤْيَايَ أَنْ أَنْطَلِقَ إلَى أَهْلِ مُحَلّمٍ فَأَسْأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْقِطّةِ. فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: عَوْفٌ يَسْتَأْذِنُ! فَأَذِنُوا، فَلَمّا دَخَلَ قَالُوا (٢) : وَاَللهِ، مَا كُنْت لَنَا بِزَوّارٍ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ بِخَيْرٍ، وَهَذِهِ بِنْتُ أَخِيك أَمْسَتْ وَلَيْسَ بِهَا بَأْسٌ، وَهِيَ هَذِهِ! لِمَا بِهَا، وَلَقَدْ فَارَقَنَا أَبُوهَا اللّيْلَةَ.
قَالَ: قُلْت: هَلْ هَلَكَتْ لَكُمْ قِطّةٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ حَسَسْتُمُوهَا
(١) أى اشتهروا بالشر، وقيل: هم الذين أسرفوا فى الذنوب فأهلكوا أنفسهم، وقيل: أراد الذين فسدت مذاهبهم. (النهاية، ج ١، ص ٢١٨) .
(٢) فى الأصل: «فقال فأذنوا لعوف فلما دخل قالوا» .