وَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: لَقِيت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْحَدِرٌ مِنْ الطّائِفِ إلَى الْجِعِرّانَةِ فَتَحَصّلْت (١) ، وَالنّاسُ يَمْضُونَ أَمَامَهُ أَرْسَالًا (٢) ، فَوَقَعْت فِي مِقْنَبٍ (٣) مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلُوا يَقْرَعُونِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ:
إلَيْك! إلَيْك! مَا أَنْتَ؟ وَأَنْكَرُونِي، حَتّى إذَا دَنَوْت وَعَرَفْت أَنّهُ يَسْمَعُ صَوْتِي أَخَذْت الْكِتَابَ الّذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلْته بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِي، ثُمّ رَفَعْت يَدَيّ وَنَادَيْت: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، وَهَذَا كِتَابِي! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ وَفَاءٍ، أَدْنُوهُ! فَأَدْنَيْت مِنْهُ، فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ سَلّمْت، وَسُقْت إلَيْهِ الصّدَقَةَ، فَمَا ذَكَرْت شَيْئًا أَسْأَلُهُ عَنْهُ إلّا أَنّي قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْت الضّالّةَ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إنْ أَسْقَيْتهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نَعَمْ، فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى (٤) أَجْر.
قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اعْتَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ غَنَمٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ هَدِيّةٌ قَدْ أَهْدَيْتهَا لَك، قَالَ: وَمِمّنْ أَنْتَ؟
قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ. قَالَ: إنّي لَا أَقْبَلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي مُؤْمِنٌ بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ، قَدْ سُقْت الصّدَقَةَ إلَى بُرَيْدَةَ بن الحصيب
(١) تحصل: تجمع وثبت. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ٣٥٧) .
(٢) أى أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا، واحدهم رسل. (النهاية، ج ٢، ص ٨٠) .
(٣) المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل. (الصحاح، ص ٢٠٦) .
(٤) الحرى: فعلى من الحر، والمعنى أن فى سقى كل ذى كبد حرى أجرا. (النهاية، ج ١، ص ٢١٥) .