ولقي استهزاء السفهاء ورجمهم له بالحجارة، حتى دميت قدماه الطاهرتان، فما يزيد على أن يتوجه إلى ربّه بذلك الابتهال الخاشع النبيل -كما عرفنا!
وبعد ذلك كله يحتاج إلى توجيه ربّه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}!
ألا إنه لطريق شاق .. طريق جهاد هذه الدعوة .. طريق مرير،، حتى لتحتاج نفس كنفس النبي - صلى الله عليه وسلم - في تجرّدها وانقطاعها للدعوة، وفي ثباتها وصلابتها، وفي صفائها وشفافيتها .. تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة المتعنّتين!
نعم وإن مشقّة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة .. وإن صعوبته لتحتاج إلى صبر .. وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة من رحيق العطف الإلهيّ المختوم .. تشجيع وتصبير وتأسية وتسلية .. ثم تطمين: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يوعَدُونَ لَمْ يلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَار}!
إنه أمد قصير .. ساعة من نهار .. وإنها حياة خاطفة تلك التي يمكثونها قبيل الآخرة وإنها لتافهة لا تترك وراءها من الواقع والأثر في النفوس إلا مثلما تتركه ساعة من نهار .. !
ثم يلاقون المصمير المحتوم!
تم يلبثون في الأبد الذي يدوم!
وما كانت تلك الساعة إلا بلاغاً قبل أن يحقّ الهلاك والعذاب الأليم: {بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)}!