وعالمه، ونفي القلق والسخط والقنوط .. ذلك أن الحساب الختاميّ ليس في لهذه الحياة الدنيا، والجزاء الأوفى ليس في هذه العاجلة!
إنه هناك في الآخرة، والعدالة المطلقة مضمونة في هذا الحساب .. فلا ندم على الخير والجهاد في سبيله إذا لم يتحقّق في الأرض أو لم يلق جزاءه!
ولا قلق على الأجر إذا لم يوفّ في هذه العاجلة بمقاييس الناس، فسوف يوفّاه بميزان الله، ولا قنوط من العدل إذا توزّعت الحظوظ في الرحلة القصيرة على غير ما يريد، فالعدل لا بدّ واقع:
{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (٣١)} غافر: ٣١!
والاعتقاد بالآخرة حاجز كذلك دون الصراع المجنون المحموم الذي تداس فيه القيم، وتداس فيه الحرمات، بلا تحرّج ولا حياء، فهناك الآخرة فيها عطاء، وفيها غناء، وفيها عوض عمّا يفوت!
وهذا التصوّر من شأنه أن يفيض السلام على مجال السباق والمنافسة، وأن يخلع التجمّل على حركات المتسابقين، وأن يخفّف السعار الذي ينطلق من الشعور بأن الفرصة الوحيدة المتاحة هي فرصة العمر القصير المحدود!
ومعرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنساني هي العبادة:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)} الذاريات!
مخلوق ليعبد الله .. ومن شأن هذه الغاية -ولا شك- أن ترفعه إلى هذا الأفق الوضيء .. ترفع شعوره وضميره، وترفع نشاطه وعمله، وتنظف وسائله وأدواته .. فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله، وهو يريد العبادة بكسبه وإنفاقه، وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض وتحقيق منهج الله فيها .. فأولى به ألا يغدر